هذه قصة مستوحاة من أحداث قالتها لي الداعية (وفاء القدسي ) التي تدعو منذ أكثر من عشرين عاما في ألمانيا .
الفاتنة كاشيا بعد فراغها من دراسة مادة التاريخ التي ستمتحن فيها في اليوم التالي صباحاً ،أغلقت الشابّة ابنة الصف التاسع كتابها ثم أغمضت “كاشيا ” عينيها وأخذت تسترجع بعض النقاط ؛فرددت هتلر الألماني :شخصية فذة غيرت بوصلة التاريخ ولم يكن محتاجاً لأحد كي يؤيده أو يعارضه ،تصرف بألمانيا وكأنه ابنها الوحيد ….. موسوليني الإيطالي ،شخصية طاغية تفعل ما تريد دون أدنى اكتراث بمشاعر الآخرين ،ربما ظن أن إيطاليا برمتها ملك له يتصرف بها كيف يشاء !!! نابليون الفرنسي :اكتسح العالم ببطولة نادرة ونظر لكل ما وطئت قدمه كما ينظر اللاعب المتمرٰس إلى كرته .ثم قامت من مقعدها الدراسي وتوجهت نحو النّافذة ،ليمتدّ نظرها عبر الأفق ،تنفست بعمق ثم قالت لنفسها : كل عظماء البشر يذكرون كل على حدة دونما شريك …فكيف يكون لهذا العالم العظيم ثلاث مدبرين !! شيء لن يصدّقه عقلي الصغير ….وأردفت : في الواقع أنا لا أرى أن عقلي صغيراً-كما يظن البعض -ربما يجرّني عقلي هذا إلى التفكير في غير ما هو مسموح فهناك منطقة في دماغي يجب أن تكون (منزوعة المنطق ) !!كي أًُرضي من حولي .
كانت الأفكار تتقاذفها يمنة ويسرة وفي ذات صباح أعلنت إدارة مدرستها أن درس (الأديان )في أسبوعها ذاك سوف يناقش ديانة (المسلمين )….فقالت في نفسها حسناً سوف نتعرّف إلى ديانة (أضعف الأمم) ولا مناص فمدير المدرسة لا يسمح بالتغيب ….ثم تساءلت :لم لا يكون لمدرستنا أكثر من مدير ،إذا سمح أحدهم بأمر منعه الآخرون ..شيء رائع ستصبح مدرستنا بلا قانون ودون إنتاج وعليه فلن يصبح لوجودها معنىً أو مبرّراً !!! ثم كتمت في نفسها حديثاً :ولعلّي أؤكد أن من حولي يؤمنون قطعاً بأن مديري الكون ثلاثة …. إيه هذا كلام ما بينه وبين المنطق كما بين المشرق والمغرب … الطالبة كاشيا ،كانت تدعى بالمتفكرة أحياناً وبالمتفلسفة أحياناً آخرى لكثرة تساؤلاتها وبعد تخيلاتها ، انتظرت يوم درس الأديان الموعود وتخيّلت أنها ستستمع لرجل دين من فئة غير فئة (القساوسة ) !لم تستطع تخيٰل طبيعة عرض ديانة المسلمين أو ما سيتبعه من مداخلات ….وقبل أن تمسك خيطاً لتبدأ به رسم صورة ما ،رأت قساً يدخل غرفة الفصل مؤكداً أنه هو من سيتحدث عن الإسلام لأن المدرسة لم تجد رجلا يحسن التحدّث عن الإسلام ؛بدأ القس حديثه قائلا :سنتعرّف اليوم على دين سطحي سخيف -كبرت كلمة تخرج من أفواههم – وسترون أن معتقداتهم تدعو للسخرية .فمثلا هؤلاء البلهاء يعتقدون -تصوّروا المهزلة -أن الإله واحد لا شريك له …قالها وهو يضحك بينما كادت كاشيا تطير من البهجة …ولم تستطع كتم شدة إعجابها فقالت بصوت عال: شيء رائع ..هذا هو الصحيح بينما ضجّ الفصل بالضحك لدرجة ذابت فيها دهشة كاشيا وتبخّرت فلم يلحظها إلا فئة قليلة !!!!….واستمر القسّ يعرض مباديء دين الإسلام بصورة هزليّة بينما أخذت كاشيا تصغي جيّداً لكلماته علّها تلتقط نقاطاً مضيئة ترشدها للبحث عن بؤرة نور تسترشد بها ….أصغت السمع جيّداً فأدركت حقيقة أخرى جمعت حروفها من بين إشارات تهكّم القس وسخريته حيث قال : وهؤلاء الأغبياء يغطون المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها كي لا يأكلها أحد أو يقترب منها .
ضحكت الطالبات ورثين لحال الغبيات الّراضيات بهذه الأكياس التي تغلق عليهنّ وبدأن يتساءلن :كيف يتنفسن ؟بل كيف يأكلن ؟بل كيف يستمعن لكلمات الإعجاب ؟وقبل أن تستوعب كاشيا المنطق خلف غطاء رأس المرأة سمعت القس يكمل حديثه قائلاً :إنهم يظلمون المرأة فالمرأة عندهم لرجل واحد بينما الرجل يمكن أن يصبح لديه أربع نساء ….هنا ضجّت القاعة بالسخرية وشعرت معظم الفتيات بسعادة غامرة لأنهن لسن مسلمات بينما أطرقت كاشيا متفكّرة وفي ذهنها صوراً متداخلة لعلاقات الشباب بالفتيات وعدم معرفة آباء اللقطاء على وجه الدّقة ..بل لعلّها استرجعت مشاعر التقزّز التي زارتها حين رأت مولوداً موضوعاً بجانب القمامة .
ولمّا انتهى الحديث عن الإسلام لم تر كاشيا من يشاطرها تساؤلاتها التي انقدحت من أتون السخرية بالإسلام والمسلمين لكنها لم تحرم عقلها من متعة البحث عن دين أجمل وأقدس ما فيه عقيدة التوحيد ….وكانت تدعو دوماً:”يا إلٰه المسلمين الأوحد أرشدني إليك ” ثم بدأت تتمارض حين تدعوها أمها للصلاة في الكنيسة ولعلها كانت تشعر بالإختناق والكآبة كلما سمعت عن صلاة لا تنهى عن علاقات آثمة ..ولربما تساءلت يوماً عن صحة أسماء بنات وأولاد فصلها فهل هم حقاًأبناء من ينسبون إليهم ؟؟ومرّ بخاطرها شبح مقلق ترى من أنا ؟؟ومن يؤكد لي أنني ابنة ابي وحياتنا تمضي بكل عشوائية وفوضى …..
صور كثيرة ملوثة بدأت تظهر أمام شاشة مرآتها لها من قوة التأثير ما يجعلها تنسحب بهدوء أمام حضورها لقدّاس الأحد وتساءلت :ترى لو فكرت أن أحضر أنا وجيم -زميلي في المدرسة-إلى البيت من أجل المذاكرة معاً في ظاهر الأمر ثم عملنا ما يخطر ببالنا من المقززات لما رفضت أمي ذلك بل ربما فرحت لأني أدرس مع زميلي المتفوق لكن أمي ترفض غيابي عن الكنيسة …وبدأت تختلق الأعذار من أجل أن لا تحضر (قدّاس)النصارى …. أما والدتها فقد: اقتنعت بحجة كاشيا في المرة الأولى وتغاضت عن إعتذارها الثاني وتساءلت حين اعتذرت كاشيا للمرة الثالثة وبعدها هددتها بالضرب وبالطرد .هنا وصلت كاشيا إلى طريق موصد بقوة بينها وبين أمها ففي كل يوم أحد كانت تتعرض الفتاة الشابة للضرب والطرد وفي كل مرة تراجع نفسها وتتساءل : إله واحد نعم هذا هو الصواب ومن هنا سأنطلق .
زوج واحد يورثنا الثقة بأنفسنا ومسمياتنا حجاب يغطي صور الجمال والجاذبية ويقف سداً أمام العلاقات الجسدية .
لن أتنازل عن قناعاتي حتى لو قذفوني إلى الشارع يمكنني أن آحافظ على نفسي وجسدي وعقلي ثم ترفع يديها وتنادي يا إله المسلمين الأوحد ساعدني وأنت وحدك من سيرشدني كي أعرف طريقي إليك فقد هدّني ضياع الناس من حولي ولوثات أفكارهم وبهيمية نظرتهم لجسدي الغض …. إضاءة: كاشيا الآن زوجة لشاب مسلم وأم لطفلين يرددان آيات الله.
بقلم الكاتبة :أم حسان الحلو