السؤال: كيف أزكي نفسي عمليًا؟، أريد خطوات أسير عليها -بارك الله فيكم-.
ويقول تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}، ومن هنا يأتي السؤال الآخر: هل النفس الزكية مرتبطة بالقلب السليم؟ وهل يمكن أن نصل إلى قلبٍ سليم؟ وما السبيل أيضًا عمليًا؟ .. سددكم الله، وعذرًا على الإطالة.
لحمدُ لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخت الفاضلة أمة الرحمن: نشكرك على تواصلك مع موقع مستشارك الخاص، ونسألُ الله تعالى أن تجدي الفائدة في الإجابة، وأن يجعلك من أهل التزكية، ومن أصحاب القلوب السليمة في الدنيا والآخرة.
إنَّ تزكية النَّفس من أهم الأمور في حياة المسلم، وممَّا يدل على أهميتها أنَّ الفلاح جـزاء مـن زكَّى نفسه، وأنَّ الخيبة جزاء من أهملها.
والمقصود بتزكية النَّفس: تطهيرها عن الصفات المذمومة، وتكميلها، وتحليتها بالأعمال الصالحة، وتزيينها بجمال التعظم لله -عزَّ وجل- قال االله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)}[الشمس].
ومما يدل على أهميتها: ما جـاء في الحـديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل: وما تزكية النفس؟ فقال صلى الله عليه و سلم: ((أن يعلم أنَّ الله معه حيث كان))[رواه الطبراني في المعجم الصغير ص 115، والبيهقي في السنن [95/4.
ولا بدَّ أن ندرك -أختي الفاضلة- أنَّ التزكية متعلقة بأمرٍ واحدٍ وهو: القلب، يقول ابن القيم رحمه الله: “والمقصود: أن يكون ملك الأعضاء -وهو القلب- قائمًا بعبوديته لله سبحانه وتعالى هو ورعيته”.
وأمَّا الخطوات العملية لتزكية النَّفس فمنها ما يلي:
أولًا: الإخلاص لله وحده لا شريك له، ذكر ابن القيم الجملة الجامعة للشفاء والعلاج، وهي جامعة للتزكية ومقاصدها، فقال -رحمة الله عليه- في مدارجه: “ولا شفاء من هذا المرض إلا بدواء: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}”.
ثم بين لنا ذلك؛ فقال: “فإنَّ هذا الدواء -أي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}- مركب من ستة أجزاء: عبودية الله لا غيره، بأمره وشرعه لا بالهوى، ولا بآراء الرجال، وأوضاعهم، ورسومهم، وأفكارهم، بالاستعانة على عبوديته به، لا بنفس العبد وقوته وحوله ولا بغيره.
ثانيًا: فعل الطاعات، وترك المحرمات؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ))إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَة))[صحيح البخاري].
ثالثًا: الصبر على البلاء.
رابعًا: التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الاستغفار.
أمَّا سؤالك الثاني: هل ممكن أن نصل إلى القلب السليم؟؟.
فأقول: نعم، من جدَّ واجتهد، وجاهد وصبر، وسلك الطريق الصَّحيح الموصل لذلك من خلال الطاعات وترك المنكرات فلا شك أنَّه سيصل.
قال الإمام ابن القيم:” والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة، فسلِم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله، فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد، ولا يتم له سلامته مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد والإخلاص، وهذه الخمسة حُجُب عن الله” [الجواب الكافي: ص84].فالقلب السليم يوصل إلى النفس الزكية، اللهم اجعلنا من أصحاب النفوس الزكية.
أخيرًا: أوصي نفسي وإياك بهذا الدعاء: ))اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا))، ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا)) اللهم آمين.
نشكركم على هذه المعلومات المفيدة